1 مايو 2013

"سواكن" تفتح ملف اعتقال النشطاء السياسين.. سُمية هندوسة: النظام اعتقلني 4 مرات.. ولن أتراجع عن القضايا التي رفعتها ضد البشير

سُمية هندوسة



حوار- إسراء النمر- سواكن

آخر اعتقال لي كان بسبب توثيق الانتهاكات في جبال النوبة ودارفور

بيوت الأشباح يعنى موت.. وتلقيت أسوء معاملة من سب وإهانة وعنصرية

أساس الخلاف هو حصولي على تبرعات من الهلال الأحمر الإماراتي ببناء 200 قرية نموذجية فى مناطق الحرب.. لكن هلال السودان اشترط الأموال لدعم النظام في إبادة الشعب

الحكومة التي تلجأ إلى الإغتصاب حكومة غير محترمة

ليس من حق البرلمان السوداني سحب الجنسية.. وإذا دخلنا في مفاصلات عرقية هم الخسرانين

سفارتنا بالقاهرة عبارة عن مكتب أمن دولة

عندما تراها للوهلة الأولى تشعر وكأن السودان تجسد في إمرأة؛ سمراء صامدة رغم الظلم والقهر، ففي عينيها بريق يُرهبك حيناً ويُعذبك حيناً آخر، ومن كلماتها تتيقن أن الإعتقال صارا لغة التفاهم بين الحكومة ومواطنيها، هي الكاتبة الصحفية والناشطة السياسية سُمية هندوسة التي يُلقبها الكثيرون بـ "المناضلة"، إذ واجهت النظام بقلمها ودفاعها عن المدنيين الذين يتم قتلهم في جبال النوبة ودارفور، ما كان سبباً في إعتقالها 4 مرات، وتهديدها بسحب الجنسية، وأخيراً بالقتل، إليكم نص الحوار:
  • هل يتسع صدرك لذكر أسباب إعتقالك؟
نعم، تم إعتقالي أربع مرات بسبب كتاباتى ونشاطي الحقوقي والسياسي، فأنا أعمل بالصحافة منذ عام 1998م، ولدي قصائد كثيرة تعارض النظام الحاكم، وفي عام 2000م نشرت قصيدة بعنوان عرض حال، والتي تتحدث عن مافعله الإسلاميين في السودان، وتداولها المواطنيين، ما أزعج النظام الذي اعتقلني قرابة 9 أيام، والقصيدة تقول "ناس حاكمانا بالإعدام.. تبني فيلل قصور أطيان باسم الدين.. وباسم عقيدة الإسلام.. تعذب فينا بالجملة.. وترفل في النعيم جملة.. وما مهتمة بالأيام.. ناس تهتم بالمنصب.. وشكل نظافة المكتب.. وسخانة ضمير وقلب.. تملأ جيوبا من عرق الفتر وتعب.. ورافعة شعارها بالتزييف (إنقاذ كل زول غلبان)".

أما إعتقالي الثاني كان في ديسمبر عام 2001م، علي إثر مشاركتي فى منتدى أدبى، وتم إتهامي مع الذين شاركوا في المنتدى بقلب نظام الحكم، وبسبب كتاباتي أٌعتقلت 18 يوماً.

وفى عام 2003م كنت أعمل بصحيفة الوطن السودانية، التي قادت حملة ضد الأدوية الفاسدة المٌباعة في الأسواق، وتتلخص القضية في أن الكويت منحت السودان أدوية منتهية صلاحيتها عام 1998م، وبسبب تلك الحملة تم إعتقال الجريدة بأكملها، وبعد الإفراج عنا، قررت مغادرة السودان، بسبب كثرة المضايقات والإعتقالات، وجئت أنا وزوجي - رحمه الله - في إبريل 2003م.

عندما تركت السوادن ماتخيلت إني أتعرض للإعتقال مرة آخرى، وداومت على الكتابة ونشر مقالاتي - عبر الصحف السودانية - والتى تنتقد النظام الحاكم وشخص الرئيس، وفي زيارتي للسوادن عام 2012 تم استدعائي من قبل جهاز الأمن عبر إتصال من عميد أمن يدعى بابكر الفاني، وذلك يوم 27 من شهر أكتوبر، لكنى لم أذهب، فوجدتهم بعد يومين يهجمون على بيتي بمدينة بحري/ الخرطوم، وأخذوني معصوبة العينين إلى بيوت الأشباح (مثل أمن الدولة بمصر) للتحقيق معي، وتم إعتقالي 5 أيام تعرضت فيهم للضرب والإساءة والعنصرية، وقتها فقط شعرت أن "البلد مش بتاعتنا".

  • كيف تم التحقيق معك؟

سُمية بعد التعذيب
في البداية، سألنى رجل يدعى أبو بكر الصديق الطحاني عن اسمي، قالي هندوسة مين، قولتله جدي، قالي لأي قبيلة تنتمي، قولتله قبيلة رزاقية من دارفور، قالى دا شعرك، قولتله آه، قالى درافور ما عندهم شعر منين جبتيه، يقصد إن أمى عاشرت آبائهم من الشمال حتى تأتي بي، وهذا فيه إشارة عنصرية، وطلب من واحد اسمه عبد الرحيم أن يحضر مقص حديدي، وقالي الشعر دا بتاع آباءنا، وقص كل شعري.

ثم سألنى عن مقال طالبت فيه باستتابة البشير حتى القصف، بعد انتشار فيديو له يقوم فيه بجلد فتاة سودانية في حشد جماهيري لأنها زانية، قال لي: انتي عايزة تستيبى الرئيس، وعرض علي كل المقالات المعارضة للبشير، أخبرته إن كانت مقالاتي سبب فى وجودي هنا ببيت الأشباح، اعرضها على نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة، وتكون فيصل بينى وبينك، لكن هتعتقلنى عشان مقالة، قالى انتى ماهتورينى أشتغل إزاى، ثم آتوا بخراطيم وضربوني لمدة طويلة، وفجأة ظهر رجل وقور قال لهم:  "حرام عليكم.. تضربوا ست إزاى"، وكنت واقعة على الأرض، ودخلني مكتب تاني، وبعد ماهديت وجدته يفتح دولاب ويآتي بخرطوم أكبر ليضربني!

طلبوا مني بعد ذلك أن أخلع عباءتي، وفعلت، وكنت أرتدي تحت العباءة بنطلون جينز وتيشيرت، قالى إيه اللي إنتى لابسه دا وإزاي تطلعي الشارع بالملابس دي، أنا هعمل علامة في جسدك حتى لا ترتدي هذه الملابس مرة آخرى، ووجدته يضع المكواة على أجزاء من جسدي، ويكرر كلما تألمت.

  • هل المقالات وحدها سبباً مقنعاً للتعذيب؟!
لا.. هناك سبب آخر وراء إعتقالي وتعذيبي، وهو توثيقي للإنتهاكات التي تحدث في جبال النوبة ودارفور، من جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي، وذلك تبع منظمتى الحقوقية وهي (الوكالة الدولية للتنمية والعون الإنساني)، إذ سافرت عام 2009م بإذن من الهلال الأحمر السوداني، أي بشكل رسمي، لتوثيق ما يحدث، فهناك يتم إضطهاد كل أسود أي النوبيين، أما قبائل الشمال يطلقون على أنفسهم عرب، وهذه عنصرية، وأثناء عملي ألقي القبض علي أنا وزميلي في كادوجلى بسبب التصوير، وسحبوا مننا الكاميرات، وتركونا بعد 5 ساعات، ماجعلنى أترك السودان وأعود إلى مصر مرة آخرى.

لذلك سألني المحقق عن سبب سفري إلى جبال النوبة، واتهمني بالعمل مع مشروع (كفاية) الذي يعمل فيه الممثل الأمريكي جورج كلوني للكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، ووقتها كنت أسمع لأول مرة عن هذا المشروع، أخبرته أني لا أعرفه، لكنني تخوفت كثيراً بعد هذا الإتهام لأن وجودي في بيوت الأشباح يعني الموت، طلبت منه إرسالي إلى محكمة نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة، قالي: "ماتستعجليش".

  •   ما الهدف من إنشاء تلك المنظمة؟
كنت أهدف إلى استقرار النازحين فى المعسكرات، وقد حصلنا على تبرعات من الهلال الأحمر الإماراتي بإنشاء 200 قرية نموذجية فى دارفور وجبال النوبة، لكن الهلال الأحمر السوداني اعترض، وطلب مننا الأموال التي ستنفذ بها المشروع، لكننا رفضنا لأن أى أموال تدخل السودان تدعم الحرب وليس المواطنيين، وطالما رفض الهلال الأحمر السودانى رفض الهلال الإماراتي لأنه الجهة الموازية لها.

  •  نعود ثانية، لماذا تم إطلاق سراحك؟
كان هناك ضغط إعلامي من قبل المنظمات والنشطاء ما جعل النظام يتخوف لأن الجميع علم بأمر إعتقالي، وهددوني أن ماحدث ورأيته داخل بيوت الأشباح لا يخرج إلى الإعلام، قالولي "البلد مستهدفة وانسى كل حاجة حصلت هنا"، وأخذوني في سيارة معصوبة العينين، وتركوني في منطقة شاسعة، وألقوني في الوحل، سألت أحد الأهالي عن اسم المنطقة، أخبرني أنني في مدينة بحري بشرق النيل، واتصلت بعمي يوسف، الذي طلب مني الإنتظار لأجل أن يحضروا، لكنني رفضت حتى لا يعود الأمن مرة ثانية، وركبت توك توك وطلبت منه يأخذني إلى أقرب مكان به سيارات، وفي منطقة دردوق، وجدت عائلتي في الانتظار، وأول مافكرت به عمل بلاغ ضد جهاز الأمن لكن وكيل النيابة رفض وطردتنا، وظللت أمر على جميع وكلاء النيابة، ماوجدت سوى واحدة تدعى نبوية عبد الوهاب وكيل أول نيابة بحري، والتي ساندتني وفتحت بلاغ، كل هذا استغرق 11 ساعة بعد خروجى من المعتقل لأجل استخرج ورقة إصابة، وقررت بعدها مغادرة السودان وأعود إلى القاهرة.

  • هل تم ملاحقتك فى مصر؟
نعم، أعاني من التهديدات والإعتداءات، فالنظام السوداني لديه فرق للتصفية في مصر، ويلاحقون النشطاء السياسين، ففي إحدي المرات إعتدى علي أحد السودانيين بسلاح أبيض أثناء خروجى من ندوة، لكنها لم تصبنى، ويقومون بإقتحام شقتي ووضعوا لي من أيام سكينة تهديداً بالقتل، لكن كل هذا لن يجعلني أصمت أو أتراجع عن القضايا التي رفعتها ضد البشير وجهاز الأمن، طالما لا يزال يقتل المدنين بالطائرات في جبال النوبة، ويتم قصفهم بصواريخ شهاب الإيرانية، ويتم اغتصاب النساء واعتقال الأطفال، سنظل في وجه الحكومة إلى يوم الدين، السودان كله مظلوم، شرق السودان بيموتوا من الحميات والسل والجوع والفقر، وجنوب كردفان أصبحت منطقة طوارئ والحكومة مانعة وصول الدواء والأغذية إلى هناك، ودارفور منطقة وباء منذ عشر سنوات، مواصلة: "الحكومة التي تلجأ إلى الإغتصاب كأداة من أدوات الترهيب هي حكومة غير محترمة".

  • كيف استقبلتي خبر تهديدك بسحب الجنسية السودانية؟
البرلمان السوداني ليس لديه حق منح أو سحب الجنسية، وإذا حدث سأقاضي البرلمان، مافي مواطن سودانى أب عن جد، يتم سحب الجنسية منه، هما ذاتهم مين، لو جبنا خبراء مانعرف أصلهم، المسألة تحتاج إلى حكمة، بأن ندخل في مفاصلات عرقية، لأنهم ماهيطلعوا سودانيين، وأقصد هنا سامية أحمد محمد، نائب البرلمان السودانى، التى هددتني بسحب الجنسية لكل من وقع على وثيقة الفجر الجديد، وأنا مالي علاقة بهذه الوثيقة.

  •  ما رأيك في السفارة السودانية من ناحية تعاملها معكم؟
السفارة السودانية عبارة عن مكتب أمن دولة سودانى بمصر، فهي إمتداد لحكم ديكتاتوري شمولى جاء بإنقلاب عسكري وليس برغبة الشعب، ووظيفتها تنحصر  في قمع المواطنيين وحماية النظام الحاكم، فالسفارة إمتداد لبيوت الأشباح، كأنهم موجودين داخل السودان، عايزين يلاحقوا الناس ويعاقبهم، أنا في حماية مصر وليس في حماية سفارتي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق