4 مايو 2013

حمور زيادة لـ "سواكن": ما يفعله نظام البشير يسيء للإسلام

الروائي حمور زيادة



حوار- محمد سرساوي- سواكن

أفتقدت الأمان في وطن يعاني من طغيان وبطش لا منطق له

ثورة السودان تصنع نفسها في ظروف عصيبة

النظام تخلى عن دور الدولة واتجه إلى لعب دور الرب

من المزعج أن لا أرى نيل الخرطوم مرة أخرى

هو المغادر الذي تركها رغماً عنه، بعدما فقد فيها الأمان والراحة، حتى صار الحنين إليها موجعاً وغصة كلما تذكرها، وهي التي لا تغيب عن باله، لكن لم يكن أمامه سوى الرحيل إلى جارتها مصر، كي يعيش غربته في سكينة ويمارس عمله الأدبي، بنشر روايته "الكونج" ومجموعته القصصية "سيرة أم درمان"، هو الروائي السوداني حمور زيادة، الذي ينتظر في شوارع القاهرة لحين إعلان أن السودان صار وطناً ديمقراطياً، يحترم الإنسانية والأدب.

مدونة "سواكن" تحدثت معه كي تفتش في أوجاعه وتعرف آرائه حول ما يحدث الآن في السودان من إضطرابات وحروب يطلق عليها البعض "ثورة".. وإليكم نص الحوار:


  • قص علينا سبب خروجك من السودان.

هناك لحظات معينة، في ظروف ما، عندما لا يجد الإنسان الأمان، ويعيش بلا  جدوى، يشعر أن وطنه يوجعه.. الأمان ضرورة إنسانية. أن تكون آمناً في بلدك، أو على الأقل في بيتك. أن تعرف أن هناك مكان يمكن أن لا يمسك فيه العالم بسوء. لقد مررت بظروف جعلتي أفتقد الأمان في وطن يعاني من طغيان وبطش لا منطق له. لا تقدر أن تعرف من أين تأتيك الضربة، ولا لماذا تأتيك. إنما عليك أن تتلقاها في أي وقت ومكان. حين شعرت بعدم الأمان قررت أن أخرج.
تعرضت لبعض من الإضطهاد و الإستهداف، ربما كان يمكن التعامل معها بشكل مختلف عن الخروج، لكن لكل شخص طاقة محددة، ولم يكن من طاقتي أن أشعر بإنعدام الأمان الكلي. كان هذا شيء لا إنساني بالنسبة لي. فاخترت الخيار المؤلم.. أن أترك السودان.


  • لماذا اخترت مصر كوطن بديل؟

مصر بالنسبة لي كما قال الكاتب الكولمبي العالمي، جابريل جارسيا ماركيز، عن المكسيك "إنها ليست وطن ثاني .. إنها وطن آخر". وأقول أن مصر قريبة لي بشكل شخصي. لا يعنيني ما يردده الناس من محفوظات عن عمق العلاقات المصرية السودانية أو أسطورة البلد الواحدة. هذا كله كلام غير دقيق بالنسبة لي. سيدهشك أن تطالع آراء كثير من السودانيين عن مصر في الإنترنت، بل ربما تقرأ هذا الرأي في حسرة وجه مريض سوداني قدم للعلاج في القاهرة ففوجئ بمجتمع مختلف عما يتصوره ويعامله بصورة لا يفهمها هو. إختياري لمصر كان شخصياً جداً. أنا أعرف مصر. تاريخها ومجتمعها وسياستها. أنا هنا قد أكون غريب بمعنى ابن البلد الآخرى، غربة المكان. لكني لست غريباً بمعنى الذي يجهل البلد وأهلها، لست غريب الوجدان. كما ان مصر لها جاذبية الحركة الأدبية. في مصر حراك أدبي نشط يغري أمثالي. لذلك لم يكن لدي أي تردد في اختيارها.


  • هل وجدت الأمان الذي تبحث عنه؟

نعم.. عندما وصلت إلى مصر منذ ثلاثة سنوات، نمت بعمق وشعرت بالأمان الذي افتقدته في أيامي الآخيرة بالسودان، ورغم أن الثورة في مصر كانت قد قامت، لكنني لم أضطرب، وتابعت الحراك الثوري وهو يتشكل منذ مقتل خالد سعيد على أيدي الشرطة، ووصول الدكتور محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والقيادي الحالي في جبهة إنقاذ مصر، وانتخابات مجلس الشعب 2010، وتفجيرات كنيسة القديسين بمدينة الأسكندرية. وأخيراً ثورة 25 يناير وهي تخترق الواقع في تجلي لأجمل لحظات الحلم. وملأت السياسة حياة مصر. ما أرغمني على متابعتها بشكل يومي. لكني أحاول أن لا أنسى ميزة مصر الأدبية. أواصل القراءة والكتابة والاندماج في الأوساط الأدبية المصرية.


  • وماذا عن السودان؟!

يقول الروائي الطيب محمد صالح أحمد: "السودان .. أحمله بين جوانحي أينما ذهبت. هذا هو الوجع الأول البدائي واللانهائي". شيخي الطيب أيضاً عاش الغربة. لذلك أعتقد أنه يعبر عن رؤيتي للسودان من على هذه المسافة. أنه موجع. موجع شوقه. موجع الآسى على حاله. وبشكل ما أنا قريب منه. فنحن في عالم متصل. ففي القرن التاسع عشر تقريباً كتبت الصحف الأوروبية أن العالم أصبح قرية صغيرة بفضل القطار البخاري و التلغراف.. وإنسيال المعرفة، ربما جعلني أقرب بشكل ما.


  • هل ثورة السوادان مستمرة أم نائمة الآن؟

الثورات ليست انقلاباً عسكرياً يسقط نظاماً في لحظة ويتولى الحكم. إنما هي مخاض تراكمي طويل، وعسير أيضاً. التراكم مستمر.. كسر حاجز الخوف مستمر. هناك طليعة - كما كان الحال في كل ثورة في العالم - مؤمنة بالتغيير. وهناك جماهير عريضة تئن من الحوجة والظلم. هناك انتفاضات متناثرة. تمرد مسلح. إذا نظرنا للصورة الشاملة لحال السودان فإننا نرى ثورة بلا شك. تصنع نفسها في ظروف عصيبة. لكنها موجودة.


  • ما رأيك في النظام السوداني المتستر بقناع الإسلام؟

أي نظام شمولي يحتاج لغطاء ما يبرر به بطشه. فلنسميه بحث عن مشروعية الظلم. هناك من يفعل ذلك باسم القومية. هناك من يفعل ذلك باسم الجماهير الكادحة. هناك من يفعل ذلك باسم السماء. المهم أن يتبنى قيمة سامية يبرر بها عدوانه على الشعب. حينها يقول الناس: رغم ما يفعل فهو على الأقل يحفظ القيمة السامية.

هذا هو ما يفعله النظام في السودان. أنه يستغل الدين ليبرر وجوده. يستغله ليبرر عسفه. فهي حرب بين الدين و الكفر. فكل شيء مباح. يقول: إذا تعاملنا بغير هذا الأسلوب فإن الدين سيضيع. هذه جدلية معقدة جداً بالنسبة لرجل الشارع. لذلك فأنه يكتفي من الأشياء بظواهرها. لكن لهذا الإستغلال عيب خطير. ففي لحظة معينة يقرر بعض الناس أنهم لا يريدون هذا. فإن كنت تظلم باسم القيمة السامية فأنا لا أريد القيمة السامية. فلتسقط أنت وعروبتك، أو أنت وجماهيرك الكادحة، أو أنت والدين!

ما يفعله نظام البشير مسيء للإسلام. وستظهر تبعاته الاجتماعية إذا رحل هذا النظام. سيسأل كثير من الناس أنفسهم "ما الذي أوصلنا لهذه الحالة ؟". حينها - من المنطقي - أن تجد الإجابة السطحية المباشرة صدى في نفوسهم "إنه الدين هو ما فعل بنا هذا". المجتمع السوداني كأي مجتمع تقليدي محافظ للدين فيه مكانه سامية. لكن تحويل الدين من قيمة سامية تحكم علاقات الفرد تطوعاً مع غيره إلى مبرر للظلم والإفساد سيكون له عواقب وخيمة.

الدولة اليوم ليس فيها من الدين شيء. لا على مستوى أسطورة "نظام الحكم الإسلامي" ولا على مستوى القيم. أنا لا أؤمن أن هناك شيء اسمه "نظام حكم إسلامي"، لكن حتى من يؤمنون بذلك في السودان بعد ربع قرن من حكم نظام البشير فإنهم اليوم يتكلمون عن حاجتهم لوضع دستور إسلامي حقيقي، يعتبرون كل ما مر لم يكن هناك دستور إسلامي حقيقي. البشير وجه لأول مرة نقداً لنظام البنوك الإسلامية والمرابحة قائلاً أنه نظام ربوي وليس إسلامي. البرلمان يجيز القروض الربوية. ماذا بقي من منظومة الحكم التي يعتبرونها إسلامية؟ لا شيء سوى التضييق على الناس في ملبسهم وأفكارهم. الشرطة المجتمعية تطارد النساء إذا لم يلتزمن بالحجاب. ويقول أحد قادة النظام إن العهد بيننا وبين الشعب ليس أن نطعمه ونسقيه إنما أن نحافظ عليه دينه! في النهاية اضطروا للتخلي عن دور الدولة واتجهوا إلى لعب دور الرب. هذا لا يمكن أن يستمر.


  • هل تفكر فى العودة إلى السودان؟

لا أعرف! حتماً سأعود في يوم ما. لكن متى وكيف لا أعرف. ربما أعود في يوم يصبح فيه وطني ديموقراطياً، أو ربما يصيبني ما يسمونه " تعب المعادن" فأمل كل شيء وأرجع مسلماً نفسي إلى اللاأمان مقابل أن استنشق هواء بلدي. ربما أظل بعيداً مكتفياً بالأشواق حتى أن أصبح ديموقراطياً. ربما أطارد نجاحاً أدبياً خارجه. قد أعود إليه لأدفن فيه. وقد أدفن في غيره. حقيقة لا أعلم. لكني أحب أن أطمئن نفسي أني سأعود في يوم ما. من المزعج أن أفكر أني لن أرى النيل في الخرطوم مرة أخرى ولن أشم هواء أم درمان، أو النجوم في قريتي. لذلك أقول لك سأعود. لكن لا تسألني كيف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق