الكاتب والأديب السوداني حمور زيادة، يحمل هموم وطنه، ويرسم ملامحها بإحساسه الوطني، ويصف الأحداث المشتعلة في السودان برؤية متزنة وبنظرة تحليله هادئة، وفي حواره مع "إضاءة" فتح قلبه متحدثاً عن الدم غير المسبوق في الخرطوم، مشيراً إلى تخطي الاحتجاجات حدود السيطرة، مؤكداً على أن قطع الانترنت لا يهم الشعب الغاضب في الشوارع، متوقعاً أن تتغلب المصالح الأمريكية على المواقف الأخلاقية، متوقعاً أن يكون غدا الجمعة يوماً كاشفاً لا حاسماً وبوصلة لمعالم الطريق القادم، مطالباً النظام بأن يتحمل المسؤولية ولو لمرة وأن يرحل.
ما تقييمك لما يحدث في الشارع السوداني هل هي ثورة أم انتفاضة؟
أعتقد أن التقييمات لا تهم، والثورات لها أكثر من معنى، فلو قيمنا أن الغضب ثورة فهي فهي ثورة غاضبة، وإذا كانت الثورة تحول جذري في بنية المجتمع والدولة فسيكون من المبكر الحكم على هذا، لأنه حتى في ثورتي مصر وتونس فالتغييرات الجذرية لم تأتي بعد.
هل ترى أن الدم غير المسبوق يؤهل هذا الحراك كي يتحول لثورة؟
لا أحب الجدال في التعريفات، هنا غاضبون من سياسات النظام الحالي، والدم غير مسبوق في الخرطوم فقط، لكنه مسبوق في دارفور التي كانت تشهد حروب إبادة بالطائرات على المدنيين منذ 2003 وبسببها أصبح البشير مطلوب للمحكمة الجنائية، ولم يحدث أن واجهت الحكومة تظاهرات في الخرطوم بمثل هذا الشكل الدموي.
رد فعل الشارع السوداني الذي صمت كثيراً كيف تتوقعه؟
الشارع في الخرطوم اليوم مذهول من هذا العنف المفرط الذي لم يتوقعه في أسوأ كوابيسه، والمؤكد أن شرعية النظام سقطت في الشارع السوداني بسقوط هؤلاء القتلى، لأن ما لا يقل عن 100 بيت سوداني فقد فلذات أكباده، وبترابط العلاقات السودانية فإن آلاف الأسر تبكي الــ100 شهيد وهؤلاء لن ينظروا إلى نظام البشير على أنه يمثلهم بعد اليوم.
من يقود الحراك في الشارع؟
لا توجد قيادة سياسية لهذه الاحتجاجات، وهناك حركات شبابية مثل أبينا دعت للتظاهر احتجاجاً على قرارات رفع الأسعار لكن غضب الشارع سبق، وتقدم على كل التنظيمات السياسية، وخروج الناس الغاضبة للشارع أدى إلى حرق مباني الحزب الحاكم ومباني محليات في عده مدن، وهذا الغضب العارم لا أحد يستطيع الادعاء بإمكانية السيطرة عليه أو قيادته.
ما رأيك في قرار الأمن السوداني منع المعارضة من الاجتماع اليوم؟
هذا نمط النظام السوداني منذ زمن، ولو كان سمح باجتماع المعارضة كنت تعجبت من موقفه.
الحكومة أعلنت قطع الانترنت لمدة يومين فهل لهذا تأثير؟
داخليا لن يؤثر كثيراً، فالذين يستخدمون الانترنت للتنسيق هم المجموعات الشبابية من أصحاب التوجهات المعارضة، والشارع الغاضب لا يهتم بالانترنت، وأتوقع أن يتجاوز الشباب تلك النقطة وأن يتغلبوا عليها، والتظاهرات السودانية تكون في الأحياء لطرد الشرطة لذا فهي لا تحتاج لتنسيق عبر الانترنت، وما سيؤثر هو غياب التغطية للأحداث، فالنظام يسعى لفرض ستار حديدي يمكنه من خلاله البطش بالناس في الداخل، ومن يواجهون الرصاص بصدورهم لا يهتمون سوى بالحرية.
ما تعليقك على مقولة "الشعب لم يعرف الهوت دوج إلا في عهدي" للرئيس البشير؟
هذا ليس جديداً على نظامه فوزير المالية قال إن الشعب السوداني لم يكن يعرف البيتزا وبيوته كانت قبيحة قبل أن نأتي للحكم، والناس تذكر كان هناك جمعة غضب العام الماضي تحت عنوان جمعة "لحس الكوح" وقال نافع على نافع مساعد رئيس الجمهورية تصريح مستفز أيضاً عندما قال "لحس الكوع أيسر على المعارضة من إسقاط الحكومة"، وكان نظام البشير يسب دول الجوار، ومصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية الأسبق قال إن الشعب السوداني قبل وصول الحركة الإسلامية للحكم كان مثل الشحاذين، وهذا الخطاب أدى إلى هذا العنف لأنه خطابه مبني على كراهية.
الموقف الدولي حتى الآن باهت ولا توجد تصريحات واضحة فلماذا؟
الموقف الدولي مرتبط بمصالح سياسية أكثر من المواقف الأخلاقية، والولايات المتحدة مثلا مهتمة بالديمقراطية، لكن لها مصالح تدافع عنها والنظام في الخرطوم يحقق لها مصالحها، والشعب لا يحبذ التدخل المباشر لدول ولكن يمكن تدخل كيانات مثل جامعة الدول العربية لأن حقوق الإنسان ليست شأنا داخلياً، ويحق لتلك المنظمات أن تدين أعمال العنف والإرهاب، وأتوقع أن تبدأ تلك المواقف في الظهور الأيام القادمة.
حماسة الشباب المصري واهتمامه بالشأن السوداني هل له تفسير؟
الشباب المصري خاصة نشطاء الانترنت لهم اهتمام يحمدون عليه بأخبار الوطن العربي، فاهتموا بالثورة التونسية والسورية والقضية الفلسطينية، بل هناك اهتمام بأحداث أفريقية مثل أحداث الإرهاب في المول الكيني، فالشباب المصري مهتم جدا بمحيطه حتى لو كان لا يفهم التفاصيل الدقيقة للأنظمة السياسية وتوجهاتها في تلك الدول، وثورة 15 يناير في تونس أشعلت روح الحرية والتغيير وظهر ذلك في 25 يناير بالثورة المصرية.
هناك دعوات لمسيرات حاشدة غداً .. ما توقعاتك لها؟
غداً يوم محوري وله دلالة مهمة، ولا أتوقع أن يكون يوماً حاسماً، ولكنه سيحدد هل ستتصاعد الأمور أم سقف عند هذا السقف لتنفجر بعد أشهر قليلة لأن الشيء المؤكد أن نظام الخرطوم سقط منذ الأزمة الاقتصادية في يونيو 2012 حيث لم تعد لديه أي مبررات يقدمها للشعب بعد سقوط خطاب الدولة "الرسالية المؤمنة"، ثم سقوط خطاب الدولة "الديمقراطية والسلام" بعد اتفاقية نيفاشا، ولم يعد لديه مصادر دخل بعد أن فقد الحلفاء، وكان آخر ما تبقى له قطر وإيران اللتان لن تظلا تضخان أمولاً في خزائن فاسدة إلى الأبد.
هل تود مخاطبة الشعب السوداني؟
لا أستطيع وأنا بعيد عن شوارع الخرطوم أن أوجه رسالة إلى الثوار فهم في وضع أجل من أن أخاطبهم، لكن أمنيتي أن يتحلى النظام السوداني لمرة واحدة بعد ربع قرن من اللامسئوية، بإحساس المسؤولية الوطنية، ويقرر أن يخرج من السلطة خروجاً مؤمناً للوطن.
نقلا عن "إضاءة"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق